النشأة الطبيعية والحضارية لمناطق الاهوار جنوب العراق عبر العصور التاريخية القديمة
متابعة – مرصد تراث الاهوار
تعتبر مناطق الأهوار في جنوب العراق من أقدم المناطق المأهولة في تاريخ البشرية، حيث تمتاز بتنوعها البيئي والطبيعي، وكان لها دور محوري في تطور الحضارات القديمة. في العصور القديمة، كانت الأهوار تغطي مساحات واسعة من الأراضي في جنوب العراق، خاصة في مناطق الأنهار الكبرى مثل دجلة والفرات.
النشأة الطبيعية: تتكون الأهوار من سهول منخفضة تغمرها المياه خلال فترات معينة من السنة، ما يجعلها بيئة غنية بالأحياء المائية والنباتات المستنقعية. تساهم الأنهار الرئيسية في هذه المنطقة في تشكيل بيئتها، إذ يعتبر فيضان نهري دجلة والفرات عاملا رئيسيا في تغذية الأهوار، مما يخلق نظاما بيئيا فريدا يتميز بكثافة الحياة البرية والموارد الطبيعية.
التاريخ والحضارة: على مر العصور، كانت الأهوار منبعا للحياة البشرية، حيث استوطنها الإنسان منذ العصور السومرية، مع ظهور أولى حضارات العالم في المنطقة بين نهري دجلة والفرات. كانت الأهوار جزءا من مهد الحضارات التي نشأت في بلاد الرافدين، حيث أن السومريين والآشوريين والبابليين قد استثمروا في هذه المناطق سواء للزراعة أو لصيد الأسماك.
الحضارة السومرية (حوالي 5000 سنة ق.م): تمثل السومريون أحد أولى الشعوب التي تطورت في هذه المنطقة ، حيث أسسوا المدن الكبرى مثل أور وأريدو ولكش في جنوب العراق ، وهي مناطق قريبة من الأهوار. واستخدم السومريون تقنيات الري لتطوير الزراعة في الأراضي المحيطة بالأهوار، ما جعلها مناطق غنية بالموارد.
التطور الحضاري: عبر العصور، تطور استخدام الأهوار في النشاطات الاقتصادية مثل الزراعة وصيد الأسماك، كما كانت الأهوار مصدرًا مهمًا للمواصلات عبر القوارب. وكان لهذه المنطقة تأثير كبير على ثقافة وفن شعوب تلك العصور، بما في ذلك الأساطير التي تحدثت عن الأهوار كرموز للخصوبة والمياه.
الاستفادة من الأهوار: إلى جانب الزراعة، كانت الأهوار تقدم مواد بناء هامة مثل القصب بالإضافة إلى مزاولة المهارات والحرف اليدوية التقليدية المتعددة وصناعة وسائل النقل، مثل المشحوف والبلم والطرادة وغيرها، وكان يستخدمها سكان المنطقة، كذلك بناء بيوتهم وفق متطلبات الحاجة التي تتلاءم مع الواقع البيئي والتغيرات المناخية.
كذلك كانت الأهوار مصدرا لعدد كبير من الأسماك والطيور البرية، بشكل عام كانت الأهوار في جنوب العراق نقطة ارتكاز حضارية وغذائية حيوية منذ العصور القديمة، وعبرت الحضارات المختلفة عن تأثيرها على هذه البيئة الطبيعية الهامة.
