مرصد تراث الاهوار في ذي قار يسلط الضوء على صناعة البواري (حصران الگصب)
فارس الاسدي – مرصد تراث الاهوار في ذي قار
صناعة البواري (حصران الگصب) من اشهر الحرف والمهارات التراثية المستوحاة من نبات (القصب) وهو المادة الاولية الاساسية الأكثر انتشارا والتي تعد اسلوب لبناء المساكن المتنوعة في مناطق الاهوار في ذي قار، أن مهارة صناعة البواري تمت مزاولتها منذ القدم وتعد من الحرفة التقليدية المتوارثة لدى سكان الاهوار المحليين، ويذكر تاريخيا بدء تداولها كحرفة تراثية قبل مئات السنين، صناعة البواري (الحصران) تتمثل بعدة مراحل وفق إحجام وانواع مختلفة مثل البارية (النعماني) و (الخشنة) و (العادية) و(الستر)، وسميت بهذا الأسم لكونها تتميز بمتانة اكثر وطريقة صناعتها مختلفة ولها استخدامات خاصة، يقوم بها أصحاب المهارة من الجماعات والمجموعات والممارسين للمهارة.
حيث تبدأ الخطوة الاولى للعمل من خلال تحضير نبات (الگصب) من اعماق الاهوار، ويقوم الافراد والجماعات والمجموعات المعنية بقص الگصب وما يسمى بل (الحش) و يسمى ايضا بل (الهراگ) بواسطة آلة تسمى (المنجل) المصنوع من الحديد ذات مسننات حادة على شكل محدب ومقبض مصنوع من مادة الخشب، وبعد اكمال مرحلة التحضير المطلوبة، تجري عملية نقل كميات اعواد الگصب المرزوم على شكل باگات (باقات) إلى مساكنهم العائمة وسط الهور على المسطحات المائية بواسطة زوارق متنوعة ولها مسميات خاصة مثل، المشاحيف والبلم، الكعد، وغيرها الى وبعد ذلك تبدأ مراحل العمل، حيث تبدأ صناعة البواري بعملية تقشير القصب لغرض إزالة القشور من اعواد الگصب وبعد ذلك تجري عملية (التفشيگ) للأعواد بواسطة آلة تسمى (المشگة) ايضا مصنوعة من الحديد تكون على شكل محدب وطرفها حاده اصغر من المنجل بكثير من المرات، وبعد ذلك تجري عملية الطرق على الگصب بواسطة (المدگة) المصنوعة من الخشب وهي عبارة عن قطعة خشبية مستطيل الشكل صلدة جدا يوضع بها مقبض من الخشب يتراوح طوله ⅕ متر وتجري عملية الطرق المستمر على اعواد الگصب فمن خلالها ذلك يصبح الگصب بحالة ثانية تسمى (الليط) فيكون شكل الگصب مفتوح من الأصل الى الطرف، وبعد ذلك تجري مرحلة الرش بالماء حتى يصبح أكثر طراوة وبهذه الحالة يصبح جاهزا لصناعة البارية (الحصرية).
وبعد ذلك تبدأ الخطوة الاولى بوضع عدد قليلة من (الليط) تسمى (البدوه) والتي يتم فيها تصفيط الليط بشكل منتظم وبطرق متقنة وبعدها تبدأ عملية التصنيع اليدوي حسب الابعاد المطلوبة وتصبح ذات شكل هندسي منتظم ومتراصف من قبل المعنين اصحاب المهارة، وحسب النوع المطلوب ويحتاج اكمال صناعة البارية اي الحصيرة الواحدة إلى بعض الوقت واحيانا يشترك شخصين أو ثلاث أو اربعة بصناعتها، وغالبا هذه المهارة والحرفة تمارس من النساء، وبعد اكمال مراحل التصنيع والحياكة تجري عملية لف الحصرية وبعد ذلك تتم عملية الضب بواسطة (البنود) المستخرجة من نفس الليط، وبعدها تبدأ عملية الرزم والتصفيط وتوضع في أماكن مخصصة ومن ثم يأتي شخص معني بشراء البواري أي الحصران يسمى الفاضوض، الذي يقوم بتسويقها إلى صاحب السكلة ويسمى تاجر الگصب ويتم تصدرها إلى بعض المدن الأخرى حسب مقتضيات الحاجة.
أن للبواري لها استخدامات كثيرة مثل بناء المضايف وبيوت الگصب والصريفة والكبرات السياحية والسقائف المتنوعة، كما تشكل أيضا أهمية اقتصادية للدخل اليومي ومكاسب مادية للعيش الرغيد لدى سكان الاهوار المحليين، حيث أن تلك الحرفة والمهارة تعد من أبرز معالم التراث غير المادي منذ زمن الحضارة السومرية قبل آلاف السنين، ولا زالت قائمة في الوقت الحاضر ولا زال هناك أفراد ممارسين من أجل حفظ وصون هذا التراث الثقافي غير المادي للإنسانية عبر الأجيال.
ومن الجدير بالذكر تسعى وزارة الثقافة والسياحة والآثار – دائرة العلاقات الثقافية العامة – المركز الوطني للتراث الثقافي غير المادي، وضمن برنامجها الحكومي على حصر عناصر التراث الثقافي العراقي غير المادي، بهدف تسجيلها في منظمة اليونسكو العالمية حسب إتفاقية 2003 ، التي تهدف إلى حماية وتعزيز الممارسات الثقافية التي تعكس تنوع الثقافات الإنسانية، وتركز الاتفاقية على صون العادات، والتقاليد، والفنون، والمعارف التي تنقل عبر الأجيال، ومما سبق فقد تم إدراج 6 مواقع إثرية مصنفة عالميا ومناطق الاهوار ضمن لائحة التراث العالمي في تموز 2016 إضافة إلى إدراج مضيف القصب في اواخر 2023.
